الأربعاء، ٢٦ مايو ٢٠١٠

Aمفهوم العولمة وإشكالياته (الجزء الاول )

يطرح مفهوم العولمة عدة تساؤلات سواء من حيث تحديد الإشكاليات التي يثيرها هذا المفهوم, أو من حيث تقديم تقييم له بالتطرق إلى مزاياه وعيوبه, ولمعالجة هذا الفرع نتطرق إلى تحديد إشكاليات المفهوم " مبحث أول" ثم مزايا وعيوب العولمة "مبحث ثان".
المبحث الأول
إشكاليات تحديد المفهوم

أثار مفهوم العولمة عدة إشكاليات في تحديده, مما يتطلب استعراض مختلف المفاهيم التي حاولت الإحاطة والإلمام به, مما يدعونا إلى سرد الآراء المختلفة المقدمة للتعريف بهذا المصطلح الجديد.
إن مصطلح العولمة, أول من أطلقه معرفيا عالم السوسيولوجيا الكندي " مارشال ماك لوهان " أستاذ الإعلاميات السوسيولوجية في جامعة تورنتو, عندما صاغ في نهاية الستينات مفهوم " القرية الكونية " في كتابه الحرب والسلام في القرية الكونية . وقد تبنى هذه الفكرة بعده " زيبغينو بريجينسكي " الذي قال: "إن الولايات المتحدة هي اليوم بؤرة انتباه العالم وإعجابه وحسده ومحاكاته وحقده, لدرجة أنه بالنسبة إلى العديد من الأمم الأجنبية أصبحت السياسة الداخلية للولايات المتحـدة الأمريكية امتدادا حيويا لسياستهم." . ومن ثم يمكن القول أن العولمة تعتبر الحجر الأساسي في صرح النظام العالمي الجديد الذي دعا إليه الرئيس الأمريكي الأسبق " جورج بوش" إثر نهاية حرب عاصفة الصحراء ضد النظام العراقي .
لقد بدأت العولمة في أول الأمر, نظاما اقتصاديا بالسماح للرأس المال العالمي بحرية التحرك والتنقل متجاوزا الحدود بلا قيود ليغزو أسواق العالم دون أن تفرض عليه في آخر المطاف رسوما أو ضرائب, لكن الآن يتم الحديث عنها بوصفها نظاما ونسقا ذا أبعاد تتجاوز دائرة الاقتصاد, فهي بمثابة نظام عالمي يشمل مجال المال, الاستثمار, التسويق والاتصالات, كما يشمل مجال السياسة, الثقافة, الأيديولوجيا, الفن, الأخلاق, الديبلوماسية والقضاء....... .
وفي تحديد الإشكاليات التي يطرحها مصطلح "العولمة " نجد أربع مجموعات تصنف في تقديمها لتعريف لهذا المفهوم, كل منها تعطي بعدا من جانبها سواء اقتصاديا, ثقافيا, اجتماعيا وسياسيا. وسندرس في (مطلب اول ) البعدين الإقتصادي والثقافي, فيما نخصص ( المطلب الثاني ) للبعدين الإجتماعي والسياسي.

المطلب الأول
البعدين الاقتصادي والثقافي للعولمة

برز مفهوم العولمة في البداية على المستوى الإقتصادي , فاصبح الحديث عن العولمة الاقتصادية بظهور الشركات المتعددة الجنسيات, وتطور رأس المال واقتصاد السوق, لكن هذه النظرة انتقلت إلى المجالات الأخرى من بينها المجال الثقافي , هذا الأخير سوف نتاوله في (فقرة ثانية ) بينما نخصص ( الفقرة الأولى ) للبعد الإقتصادي للعولمة .


الفقرة الأولى: البعد الاقتصادي للعولمة

يعد البعد الاقتصادي للعولمة البعد الذي يحتوي على مؤشرات واتجاهات ومؤسسات اقتصادية عالمية جديدة غير معهودة في السابق, وتشكل في مجملها العولمة الاقتصادية.
وفي هذا الصدد يرى الدكتور "سمير أمين" أن ما يدفع بالعولمة الجديدة إلى مزيد من الفوضى البربرية وظواهر أن "الاقتصاد العالمي" الذي يصير الآن, والاستقطاب العالمي الذي يتعمق الآن يحصران في إطار هذه العولمة كمحاولة ليبرالية جديدة لإعادة توحيد العالم على أساس آليات السوق الرأسمالية, كسوق عالمية مبتورة تنتج الاستقطاب وتعيد إنتاجه على نحو أكثر عمقا باستمرار, الأمر الذي يتجلى بدوره, بظاهرة أن الحركة في إطار الاقتصاد العالمي تقتصر على حركة الرأسمال والسلع فحسب,و على هذا النحو تعمل الليبرالية الجديدة بالضرورة في اتجاه المزيد من الاستقطاب , وبالتالي في اتجاه المزيد من الاضطراب والانفجار . ويعرفها الدكتور " جلال العظم " بكونها وصول نمط الإنتاج الرأسمالي عند منتصف القرن العشرين إلى نقطة الانتقال من عالمية دائرة الإنتاج وإعادة الإنتاج ذاتها, أي أن ظاهرة العولمة التي تشهدها هي بداية عولمة الإنتاج والرأسمال الإنتاجي وقوى الإنتاج الرأسمالية, والعولمة بهذا المعنى هي رأسملة العالم على مستوى العمق بعد أن كانت رأسملة على مستوى سطح النمط ومظاهره .
كما عرفها صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر سنة 1997 بواشنطن, بأنها ترابط المصالح الاقتصادية للدول, اعتمادا على بعضها البعض من اجل توسيع وتنويع تبادل البضائع و الخدمات وتنشيط الحركة الدولية لرؤوس الأموال , وكذا تسريع انتشار التقنيات الحديثة بينها . وفي تعريفها للعولمة أشارت منظمة التجارة العالمية بكونها تعني تحرير التجارة وتنقل رؤوس الأموال والاتصالات التكنولوجية, للتقارب المتزايد في المصالح والأهداف, وتماثل التصور والإدراك والرؤية للعالم .
ومما نثيره من البعد الاقتصادي, أن العولمة هي عبارة عن تدفق رؤوس الأموال الأجنبية والانفتاح المتزايد للاقتصاديات الوطنية في وجه الشركات المتعددة الجنسيات. كما يمكننا تعريف العولمة الاقتصادية بكونها تلك المجموعة من التغيرات التي طرأت مؤخرا على تنظيم إدارة معظم اقتصادات الدول النامية واقتصادات دول المعسكر الاشتراكي سابقا, وكذلك التغيرات التي حدثت في تنظيم وإدارة العلاقات الاقتصادية فيما بين الاقتصادات الوطنية.

الفقرة الثانية: البعد الثقافي

للعولمة

يأخد البعد الثقافي للعولمة حيزا كبيرا في التعريفات المقدمة لمصطلح العولمة وذلك لاعتبار الثقافة تبرز كسلعة عالمية تسوق كأي سلعة تجارية أخرى, ومن ثم بروز وعي وإدراك ومفاهيم وقناعات ورموز ووسائط ثقافية عالمية الطابع.
وفي هذا الإطار نجد العديد من التعاريف فقد عرفها "برهان غليون": الدخول بسبب تطور الثورة المعلوماتية والتقنية والاقتصادية معا من التطور الحضاري يصبح فيه مصير الإنسانية موحدا أو نازعا للتوحيد أي أن العولمة سوف لا تلغي التنوع الثقافي ولكنها تعمل على زيادة التفاعل بين الثقافات المختلفة كماعرفها "كارل بولاني" بأنها عملية مزدوجة تجمع بين التوحيد والتآلف في الوقت نفسه المقاومة والاختراق . وأيضا نجد تعريف "جيمس ميتلمان" بأن العولمة عملية مقابلة ثقافية بين الحضارة يعتريها الكثير من التناقض وعدم الاستمرار . ومن ثم فالليبرالية الفكرية واحترام الحريات الفردية واعتبار الفرد هو المحور الأساسي في بناء نظام ومجتمع ديمقراطي حر هي الفلسفة التي حكمت مجمل التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات الرأسمالية وهي التي شكلت نسق القيم الذي حكم الثقافة السائدة فيها والذي نشأت وتطورت في ثقافة حقوق الإنسان التي كفلت حقوق وحريات الافراد في كافة المجالات مثل الفكر والتعبير, السلوك, الحرية الشخصية وغيرها. مما يدخل في نطاق الحريات وهي التي أفسحت المجال لنشر قيم التعددية, التسامح, الحرية, المساواة, احترام الآخر, وإمكانية تعايش الأفكار والاتجاهات المختلفة جنبا إلى جنب بدون مصادرة أي منها, فضلا عن ترسيخها لقيم التنوير والعلمانية والتي أعطت دفعة حقيقية لعصر النهضة وتجاوز أنساق القيم التقليدية التي ميزت المجتمعات الإقطاعية والزراعية أو ما قبل الرأسمالية الصناعية الحديثة .
لكن البعد الثقافي للعولمة يأخذ شكلا آخر فهو يعني أن نجعل من الثقافة سلعة أو خدمة للاستهلاك تحظى بجاهزية خاصة ومغرية شانها شأن "المعلبات" إنها محاولة لمزيد من تكريس التقسيم الإمبريالي للعمل, حيث بمقتضاه تستمر الولايات المتحدة الأمريكية في إنتاج أشكال الثقافة اليومية من أفكار وأذواق وتصورات وتظل المجتمعات الأخرى مستهلكا وسوقا كبيرا للمنتوج الأمريكي.أو بمعنى آخر فإن العولمة الثقافية هي الوجه الآخر للإنتاج الثقافي وآلية ردع لكل خيار نهضوي وتمييع كل محاولة لتفعيل ثقافي حقيقي في المجتمعات المختلفة. لكن يبقى السؤال الأساسي هل الولايات المتحدة الأمريكية تحرص على العولمة الاقتصادية والثقافية بقدر أقل من حرصها على العولمة الاجتماعية والسياسية ؟. [/size][/size]


هناك تعليقان (٢):

  1. للاسف يا دكتور محمد اصبحنا نحن العرب او الدول العربية دولا مستقبلة او مضيفة للعولمة وتاثرنا بها ثاثرا شديدا حيث انى اكاد اجزم بان الدول العربية الاكثر تاثرا بالعولمة على مستوى العالم واتحدث هنا عن الجانب السلبى لها ..فلقد تاثر مورثنا الثقافى وهويتنا العربية واقتصادنا ..فبدل ان نستفيد من ايجابيات العولمة لتطوير انفسنا اقتصادي وفكريا واجتماعيا .اصبحنا فقط دولا مضيفة للعولمة..واستشهد هنا بدول لازالت تحافظ على ارثها الثقافى والحضارى واستفادت من العولمة استفادة جعلت منها فى طليعة الدول المتقدمة اقتصادي وسياسيا ..مثل دولة الصين

    ردحذف
  2. لو تكرمت سيادة الدكتور ووضحت لنا ما مدى تأثير العولمة على ادارة التغيير في المنظمات العالمية

    ردحذف