الأربعاء، ٢٦ مايو ٢٠١٠

لماذا تخلفنا

على الرغم من حصول معظم الدول النامية على استقلالها، بعد النصف الأول من القرن العشرين .إلا أن هذا الاستقلال كان ظاهرياً،بينما استمر الاحتلال الحقيقى من خلال حرص الغرب ودول الشمال على بقاء البلدان النامية قيد التخلف،فتعددت صور نهب ثروات دول الجنوب لصالح مشروعات التنمية فى البلدان المتقدمة.وعندما قويت شوكة اقتصاديات البلدان المتقدمة واشتد عود صناعاتها الوطنية نادت بالحرية الاقتصادية لتواجه الصناعات الوطنية فى البلدان النامية قلاع حصينة للصناعات فى البلدان المتقدمة .فلا يكون أمامها إلا أن تفلس أو ترضى بفتات تتركه لها الشركات متعددة الجنسية.التى لعبت دوراً هاماً فى تاريخ الرأسمالية المعاصرة.فبعد أن سيطرت على البترول والمواد الخام على المستوى العالمى منذ منتصف القرن التاسع عشر ،وحتى الأن.أضافت هذه الشركات إلى ترسانتها سلاح العصر وهو التكنولوجيا والبحث العلمى.

الشركات متعددة الجنسية ،شهدت نشاطاً موسعاً بعد الحرب العالمية الثانية ، فى ظل الظروف التى أتيحت للاقتصاد الأمريكى، من أجل حركة الإعمار التى اجتاحت أوروبا.وكان لسقوط المعسكر الشرقى-بقيادة الاتحاد السوفياتى سابقاً-فى نهاية عقد الثمانينيات من القرن العشرين العامل الأكبر لتوغل لهذه الشركات ،وفرض أجندتها الاقتصادية على مقدرات الاقتصاد العالمى.فرأينا التطور الجديد للرأسمالية فى ثوب العولمة.فأصبحت المنظمات الدولية تعمل لحساب سياسة هذه الشركات التى دفعت بظاهرة العولمة إلى الوجود .فالظاهرة كما يراها الخبراء المعنيون لم تأتى إلا من أجل تسهيل حركة التجارة والاستثمار التى تديرها هذه الشركات.

إن الرأسمالية الصناعية التي سادت العالم عدة عقود، حيث ظهر نمو حجمها بعد الحرب الثانية، قد تجاوزت حدودها، وتخطت الطوق إلى ما يسمى رأسمالية الثورة العلمية والتكنولوجية، التي أنتجت من الاكتشافات والاختراعات ما يوفر طاقات إنتاجية هائلة، لا يمكن أن تستوعبها أية سوق محلية مهما بلغت سعتها، فاتجه طموح الرأسمالية إلى الاستحواذ على العالم بأكمله وجعله سوقاً واحدة لها. وأصبحت الظاهرة الغالبة هي تعميم العمليات التي تؤدى إلى عولمة الحياة الاقتصادية. وهنا تبدو الشركات متعددة الجنسيات بوصفها القوة التي تلعب الدور القيادي في عملية التدويل الراهنة، فهي محرك وحامل وناقل للتمويل إلى البلدان المتقدمة والمتخلفة على السواء (1).

ففى عام 2001 ، أمكن رصد 65 ألف شركة متعددة الجنسية تمتلك 850 ألف فرع خارجى ،وتوظف 54 مليون فرد.وتسيطر على أكثر من 60 % من التجارة العالمية .ومن بين أكبر 100 شركة متعددة الجنسية وجد أن منها 53 شركة تنتمى إلى بلدان أوروبية،و23 شركة تنتمى إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

ويستلزم الأمر أن نقف على طريقة عمل هذه الشركات التى نسجت شبكة عنكبوتية على مقدرات الاقتصاد العالمى .لكى نعرف إلى أى مدى تؤثر ممارسات هذه الشركات على اقتصاديات الدول النامية.





أولاً: بعض سمات عمل الشركات متعددة الجنسية

مزاحمة الشركات الوطنية فى الحصول على التمويل المحلى. فالشركات متعددة الجنسية تلزام كل شركة تابعة بأن توفر محلياً ما يمكن من التمويل اللازم لها ،ويتم هذا بأشكال مختلفة منها المشروعات المشتركة ،طرح أسهم فى السوق المالية المحلية، الاقتراض من الجهاز المصرفى المحلى.تتبع الشركات متعددة الجنسية هذه السياسة فى الوقت الذى تأمل فيه البلدان النامية فى الحصول على استثمارات أجنبية مباشرة،تساعد فى قيام مشروعاتها التنموية،ومن خلال ممارسة الشركات متعددة الجنسية لهذا السلوك تسقط الجزرة التى يلوح بها المرجون لوهم العولمة.وتجدر الإشارة هنا إلى أن حركة الاستثمار الأجنبى المباشر عالمياً تتركز فيما بين البلدان المتقدمة بعضها البعض،ولا يذهب للبلدان النامية سوء القلق فى شكل استثمارات فى صناعات تقليدية تقل فيها القيمة المضافة (3).

إقامة تكتلات كبرى لإضعاف الشركات الوطنية من خلال الانتشار الجغرافى . حيث تنشط هذه الشركات فى الانتشار فى عدد من الاقطار فعلى سبيل المثال شركة (ABB ) التى تكونت فى عام 1987 من اندماج شركة سويدية وأخرى سويسرية ،استثمرت فور تكوينها 3.6 مليار دولار شملت ادماج أو شراء 60 شركة أخرى .وهى تسيطر حالياً على 1300 شركة منها 130 فى بلدان العالم الثالث و41 فى بلدان شرقى أوروبا. وبذلك تضعف الشركات الوطنية فى مواجهة هذه الكيانات الكبيرة ولا تقوى على منافستها(4).

لا تهدف الشركات متعددة الجنسية إلى إقامة تنمية بالبلدان النامية،ففى الوقت الذى تريد أن تتوجه فيه البلدان النامية لتبنى سياسات الإنتاج من أجل التصدير،نجد أن حجم المبيعات المحلية للفروع الأجنبية للشركات متعددة الجنسية ضعف مجمل الصادرات العالمية .وهو ما يسقط دعاوى أن من أهداف العولمة زيادة حجم التجارة الدولية.ويمكن النظر إلى حالة مصر كنموذج صارخ لنشاط هذه الشركات .حيث توجدنحو100 شركة من الشركات متعددة الجنسية تمارس نشاطها الإقتصادى داخل مصر ولكنها لم تعمل على زيادة صادراتها ولكنها تستهدف فقط السوق المحلى(5).

العمل على انتشار الفساد فى المعاملات الاقتصادية لدى النخبة الحاكمة فى البلدان النامية والمتقدمة على السواء،ولدى المسئولين الكبار بالمؤسسات الاقتصادية.وهذا ما أكدته العديد من الدراسات،وأثبته التقرير السنوى لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2003 والذى صدر مؤخراً فى سبتمر 2003 . قال بيتر آيغن، رئيس منظمة الشفافية الدولية، بمناسبة إصدار جدول الشفافية العالمية للفساد الملاحظ لعام 2003"إن الجدول الجديد يشير إلى مستويات عالية من الفساد في الكثير من الدول الغنية والدول الأفقر على السواء، مما يجعل من الضروري أن تقوم الدول المتقدمة بتطبيق الاتفاقيات الدولية لكبح قيام الشركات العالمية بتقديم الرشاوى، ولقيام مؤسسات الأعمال الخاصة بالوفاء بالتزاماتها المنصوص عليها في ميثاق منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لمكافحة الرشوة، وبالتحديد لوقف تقديم الرشاوى للمسئولين الحكوميين في مختلف أنحاء العالم." (6)

احتكار المعرفة والتكنولوجيا، من أجل تحقيق مكاسب مادية بغض النظر عن الجوانب الإنسانية والاجتماعية المترتبة على هذا الاحتكار.وخير مثال على هذا السلوك الضغوط التى تمارسها هذه الشركات من خلال حكومات البلدان المتقدمة فى منظمة التجارة العالمية لكى تتنازل الدول النامية عن حقها فى إنتاج الدواء بأسعار رخيصة ومناسبة لمواطنيها.وتسعى هذه الشركات لتقليص الفترات الإنتقالية التى تتيحها اتفاقية التربس للدول النامية لتوفيق أضاعها(7)

تعمل هذه الشركات على تقويض الصناعات الكبيرة والمتوسطة فى البلدان النامية من خلال شبكات التسويق التابعة لها. ويدلل على ذلك تجربة صناعة الملابس الجاهزة فى المغرب ،حيث عمدت هذه الشركات على التعامل مع الورش الصغيرة وتركت الشركات الكبيرة.بسبب رخص منتجات الورش الصغيرة التى تعمل على تشغيل العمال فى ظروف عمل غير مواتية ولا توفر لهم حقوقهم التأمينية ولا تدفع الضرائب بشكل منتظم.فى حين أنه كان ينبغى على هذه الشركات أن تتعامل مع الكيانات الكبيرة من أجل المحافظ على حقوق العمل (8).

تحويل ثروات البلدان النامية إلى الخارج .حيث تقوم الشركات متعددة الجنسية بتحويل أرباحها إلى الخارج ،على الرغم من أنها تحصل على معظم التمويل لنشاطها من الأسواق المحلية التى تعمل بها.وبطبيعة الحال تخرج هذه الأموال فى شكل عملات أجنبية عادة ما تكون البلدان النامية فى حاجة إليها،وهو ما يولد خلالاً فى موازينها الاقتصادية.

فى ظل تعاظم أرباح هذه الشركات التى تسيطر على مقدرات العالم الاقتصادية يلاحظ أن ظاهرة الفقر تتسع رقعها يوماً بعد يوم، فيوجد1.2 مليار فرد يعيشون بأقل من دولارين فى اليوم ،أى يعيشون تحت خط فقر الدخل حسب المعايير الدولية فأين تذهب هذه الأرباح ؟

السيطرة على مقدرات التجارة الدولية من خلال نظرية المركز والمحاور،أى تقسيم التجارة العالمية على مركز تتفرع منه مجموعة من المحاور الرئيسية تتجمع عليها التجارة الدولية لباقى الدول .بحيث لا يسمح للدول النامية بتحريك تجارة الخارجية بعيداً عن المحور الذى وضعت عليه وهو الوضع الذى يفسر لنا سيطرة هذه الشركات على أكثر من 60 % من التجارة العالمية.ومثال على هذا الوضع ما يشير إليه تقرير الاستثمار الأجنبى المباشر فى العالم لعام 2002 والذى يصدر عن الأنكتاد بأن كينيا من خلال تحالفها مع هذه الشركات استطاعت أن تكون المورد الأول للزهور لدول الاتحاد الأوروبى.



ثانياً:كيفية مواجهة نشاط هذه الشركات

لا شك البلدان النامية تعانى من مشكلات عدة فى نظمها السياسية والاقتصادية ويتطلب الأمر أن تعيد النظر فى برامجها التنموية بما يتفق مع أجندة وطنية تعكس التوظيف الجيد لمواردها وتعظيم الاستفادة من الاندماج فى الاقتصاديات الدولية. ومن وجهة نظرنا أن هذا الأمر يمكن تحقيقه من خلال الآتى:

أ:على المستوى الدولى:

أننا كثيراً ما نعول على الجنوب فى حديثنا عن العولمة ، فى حين أن الواقع يشير إلى عدم وجود حقيقى لهذا الجنوب . فعلى الصعيد العملى لا يوجد أدنى درجة من التنسيق بين دول الجنوب ، وغالباً ما تقدم المصالح القطرية على قائمة الأولويات . لدرجة أن مصر مثلاً قد تجد نفسها أقرب إلى البلدان الغربية من الهند مثلاً فى مسائل تحرير الزراعة . وتجد الهند نفسها فى نفس الموقف إذا ما كان الأمر يتعلق بصناعة البرمجيات التى حققت فيها ميزة تنافسية . فالتنسيق بين دول الجنوب هو أقرب إلى الأحلام منه للواقع . فالجنوب لا يمثل كيانات متجانسة من حيث هياكلها الاقتصادية أو نظمها السياسية .

لا تفرط الدول النامية فى حقوقها التى تمنحها لها الاتفاقيات الدولية ،ولا ترضخ لورقة الضغط التى تلوح بها هذه الشركات من خلال الدول المتقدمة وهى المنح والمساعدات.وأن تفعل المؤسسات القائمة المعنية بحقوق الدول النامية مثل مجموعة ال77 ،ومنظمة مؤتمر التجارة والتنمية "الأونكتاد"وغيرها للوقوف فى وجه أطماع الشركات متعددة الجنسية.

أن تستشعر الحكومات فى البلدان النامية مسئولياتها التاريخية تجاه مواطنيها فتكف عن الممارسات الدكتاتورية.بما يسمح بإعادة الثقة بين الأفراد وهذه الحكومات وينتج عنه عودة الاستثمارات المهاجرة من البلدان النامية إلى أراضيها لكى تتوافر الموارد المحلية لتمويل مشروعاتها التنموية بعيداً عن الاقتراض من الخارج وتحمل أعباء المديونية وقبول شروط مؤسسات التمويل الدولية المجحفة.



ب:على المستوى الاقليمى:إحياء مشروعات التكامل الإقليمى ،ونبذ الصراعات السياسية ،وإقامة اتفاقية تعاون حقيقية بعيدة عن الممارسات الإعلامية.



ج:على المستوى القطرى

أن تتبنى الدول النامية سياسة تنموية تقوم على سياسة "الاعتماد على الذات"ولا نقصد هنا سياسة الاكتفاء الذاتى ،حيث لم تعد تصلح هذه السياسة فى ظل الأجواء الدولية التى نحياها الآن.

أن تتوفر الحماية اللازمة للصناعات الوطنية،ولا يزج بها فى غمار منافسة غير عادلة.فقد حرصت البلدان المتقدمة فى بداية الأمر على حماية صناعاتها الوطنية حتى تمكنت من الوقوف فى ساحة المنافسة الدولية.بل وحتى الآن تقوم أمريكا بحماية صناعة الصلب بها غير عابئة بمواثيق منظمة التجارة العالمية،حيث فرضت رسوم جمركية عالية على منتجات الصلب المستورة من أوروبا حماية لمنتجاتها الوطنية.

أن يعاد ترشيد المنح والإعفاءات التى أعطيت للشركات متعددة الجنسية فى البلدان النامية بما يتفق ومتطلبات التنمية.وأن يسمح لهذه الشركات بالتواجد فى الأنشطة التى تحقق قيمة إضافية عالية وتساعد على مساهمتها فى التصدير،وألا تنافس صناعات محلية .ويمكن فى هذا الصدد الاستفادة من تجربة ماليزيا وبعض دول جنوب شرق آسيا الأخرى.

أن يتم تشجيع الادخار المحلى من خلال سياسات مالية ونقدية تهدف إلى تعظيم الإنتاج وترشيد الاستهلاك،خاصة الاستهلاك الحكومى الذى يتسم بالبذخ فى البلدان النامية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق