الثلاثاء، ١ يونيو ٢٠١٠

مقرر دراسى نظرية التنظيم 1

الأكاديمية العربية للعلوم
المالية والمصرفية




برنامج MBA
نظرية التنظيم
Organization The Theory


د/ محمد عنتر أحمد
أستاذ إدارة الأعمال المشارك
كلية التجارة- جامعة القاهرة

2009

توصيف مقرر

نظرية التنظيم
برنامج MBA

1 – البيانات الأساسية للمقرر Basic Data
العنوان: نظرية التنظيم Organization Theory
عدد ساعات التدريس الأسبوعية: (3) ساعات
2 – الهف العام للمقرر Overall Aim
يتوقع مع نهاية المقرر أن يصبح الطالب قادراً على شرح المفاهيم الأساسية للتنظيم وأبعاد الهيكل التنظيمي وأن يكتسب المهارات الأساسية للعمل ضمن فريق التطوير التنظيمي.
3 – النتائج التعليمية المستهدفة من المقرر Intent Learning Outcomes (ILOS)
من المتوقع مع نهاية هذا المقرر أن يصبح الطالب قادراً على القيام بما يلي:
3-1- المعرفة والفهم Knowledge & Understanding
 تعريف التنظيم وأهم مبادئه.
 حصر أبعاد الهيكل التنظيمي.
 وصف مسببات الصراع والانحدار والفعالية التنظيمية.
3-2- المهارات الذهنية Intellectual Skills
 المقارنة بين نماذج التنظيم.
 تحليل أسباب الانحدار/ الصراع التنظيمي.
 تقييم وقياس مستوى الفعالية التنظيمية.
3-3- المهارات العملية Practical Skills
 المهارات المشاركة فى التطوير التنظيمي.
 التطبيق السليم لمؤشرات الفعالية التنظيمية.
 اكتساب مهارات فحص الهيكل التنظيمي وحل مشكلاته.
3-4- المهارات العامة General Skills
 اكتساب مهارات العمل ضمن الفريق.
 اكتساب مهارات التواصل.
 اكتساب مهارات النق والتحليل.

4- محتويات المقرر
م الموضوع عدد ساعات المحاضرات
4-1 المفاهيم الأساسية فى التنظيم 4
4
4-2 نماذج التنظيم 12
4-3 الهيكل التنظيمي 4
4-4 المناخ التنظيمي 4
4-5 الثقافة التنظيمية 4
4-6 الصراع التنظيمي 4
4-7 التطوير التنظيمي 4
4-8 دورة حياة التنظيم 4
4-9 الفعالية التنظيمي 4
4-10 المقدرة التنظيمية
5 – أساليب التعليم والتعلم
5-1- المحاضرات. 5-2- المناقشة.
5-3- الحالات العملية.
6 – أساليب تقييم الطلاب Assessment Methods
 الامتحان النهائي 50 درجة
 امتحان Med- Term 35 درجة
 الواجبات والمشاريع 15 درجة
 المجموع 100 درجة
7 – قائمة المراجع
7-1- المرجع الرئيسي
- د. محمد عنتر أحمد، إدارة الجودة الشاملة، 2010
7-2- كتب مقترحة
 أ.د على السلمى، تطوير الفكر التنظيمي، (القاهرة: دار غريب للطباعة 2004).
 أ.د على السلمى، السلوك التنظيمي، (القاهرة: دار غريب للطباعة 2004).
8 – أستاذ المقرر
د. محمد عنتر أحمد
أستاذ إدارة الأعمال المشارك
كلية التجارة- جامعة القاهرة
 Email: Kmamasa @ yahoo. Com

تعريف بالمؤلف
أ.د محمد عنتر أحمد
 أستاذ إدارة الأعمال المشارك- كلية التجارة- جامعة القاهرة.
 نائب مدير وحدة ضمان الجودة- كلية التجارة- جامعة القاهرة.
 مدرب دولى معتمد فى هيئة المواصفات البريطانية BSI.
 مراجع دولى معتمد لبرامج ISO 9000 فى الهيئة الدولية لتسجيل المراجعين IRCA- بريطانيا.
 مراجع دولى معتمد لبرامج ISO 9000 فى الهيئة الدولية للمراجعين المعتمدين IATCA- الولايات المتحدة الأمريكية.
 مستشار نظام الجودة فى الهيئة الأمريكية للنظم ASR.
 مستشار بالهيئة المصرية للمواصفات والجودة.
 مستشار نظام الجودة فى المركز الاستشارى لتطوير ودعم جودة التعليم- مصر.
 خبير تدريب بالمنظمة الأوربية للتدريب والتطوير ICTD.
 الإشراف على تأهيل وتطبيق ومراجعة نظم الجودة فى أكثر من مائة مؤسسة حكومية وخاصة بالوطن العربي.
 القيام بتنفيذ برامج تدريبية فى مجال الإدارة والجودة لمتدربين من حوالى ثلاثين جنسية إفريقية وأسيوية وأوربية.

الفصل الأول
المفاهيم الأساسية فى التنظيم
ماهية التنظيم
1/1 مقدمة:
تعتبر التنظيمات من السمات المميزة للمجتمع الحديث والذى شهد ظروفاً سياسية واقتصادية واجتماعية وفرت المناخ والجو الملائم لإقامة هذه التنظيميات ونموها: ارتفاع مستويات التعليم والإنجاز؛ انتشار الوعى السياسي لدى الأفراد والجماعات؛ تغير أنظمة الأسرة؛ تغير أنماط الحياة؛ ارتفاع معدلات الحركة والتنقل الاجتماعى؛ وتعدد وتنوع حاجات الأفراد والجماعات من السلع والخدمات.
إن وجود مثل هذه العوامل والظروف قد أعطى قيمة أكبر للتعقل أو الرشد Rationality فى المجتمع وبالتالى الحاجة إلى إقامة العديد من التنظيمات المتخصصة لإشباع هذه الحاجات والرغبات المتنوعة والمتزايدة، والوفاء بمتطلبات الحضارة الصناعية بأعلى درجة من الفعالية. لكن هل يعنى ذلك أن المجتمعات القديمة لم تكن بحاجة إلى التنظيمات؟ الإجابة بالنفى وذلك حيث أن الحضارات القديمة كالحضارة الفرعونية والحضارة الصينية قد عرفت التنظيمات منذ الأمد البعيد واستخدمتها لتحقيق أهدافها فى هذه العصور القديمة.
غير أن التنظيمات الحديثة فى عالمنا المعاصر والذى يصفه بعض الكتاب بأنه "مجتمع التنظيمات الرشيدة" تختلف عن التنظيمات القديمة فى كبر الحجم والتعقد فى هياكلها وأنظمتها وقدرتها الأكثر فعالية على إشباع الحاجات والرغبات الأكثر عدداً وتنوعاً فى العالم المعاصر.
والتنظيم كظاهرة اجتماعية- شأنه شأن الظواهر الاجتماعية الأخرى- قد تعددت وتباينت وجهات النظر والمداخل التى تناوله بالدراسة والتحليل. وأسهمت فيه العديد من فروع العلم والمعرفة كالإدارة، السياسة، الاقتصاد، علم النفس، علم الاجتماع والتاريخ.
بالرغم من تعدد أفرع المعرفة التى ساهمت فى دراسة التنظيم كظاهرة اجتماعية وإن هذا يعتبر إثراءاً لنظرية التنظيم، إلا أن يضع الباحث أمام صعوبات كثيرة فى محاولة الفهم والاستيعاب لهذا الكم الهائل من التراث الخاص بالتنظيم. ولذلك لن يعرض تفصيلاً لكل هذا التراث وإنما سنحاول إلقاء نظرة شاملة على مختلف المداخل والاتجاهات النظرية لنصل منها إلى بعض النتائج.

1/2 تعريف التنظيم:
لعل من التعريفات الجيدة للتنظيم هو ما وضعه إتزيونى Etzioni (1964) حيث وصف التنظيم بأنه وحدات اجتماعية (أو مجموعات بشرية) تقام من أجل تحقيق أهداف محددة. وطبقا لهذا التعريف فإن التنظيم ليس عشوائيا وإنما يتم بناؤه لتحقيق هداف أو أهداف معينة تتطلب قيام مثل هذا التنظيم. وينطبق هذا على المؤسسات الصناعية والشركات، والتنظيمات العسكرية والهيئات والأجهزة الحكومية والمستشفيات والجامعات حيث يكون هناك الهدف أو الأهداف المحددة والمخططة التى يؤدى قيام هذه الكيانات التنظيمية إلى تحقيقها. ولا يعتبر ضمن نطاق هذا التعريف الذى أوضحه إتزيونى الوحدات أو الأنشطة الاجتماعية والتى يكون قيامها عشوائيا وغير مخطط كجماعة الأصدقاء، الأسرة، القبيلة، الطبقات وغيرها من الأشكال الاجتماعية.











أنواع التنظيمات الاجتماعية
وهذا يقلل من أهمية التنظيمات الاجتماعية العشوائية ودورها فى الحياة التى معيشها ولكنها تخرج عن نطاق التنظيم بالمعنى السابق تحديده.
1/3 أهمية دراسة التنظيم:
لقد أوضحنا باختصار الصعوبة المتعلقة بتحديد التعريف الدقيق فى مجال العلوم الاجتماعية وكذلك فى معنى التنظيم. التساؤل الآن ما هى الأسباب التى تدعونا إذن لدراسة التنظيم على الإطلاق؟ كثير من الكتاب والمعلقين فى التنظيمات المعاصرة قد سلموا بحقيقة عدم إمكانية الهروب من ضرورة وجود التنظيمات فى عالمنا المعاصر.
نحن نولد فى التنظيم، نتعلم فى التنظيم، نقضى الجزء الأكبر من حياتنا نعمل فى التنظيم. نحن نقضى وقتاً كبيراً من أوقات راحتنا ندفع، نلعب ونلهو ونصلى فى التنظيم. غالبيتنا سوف يموت فى داخل التنظيم. وعندما يأتى وقت الدفن فإن الدولة بصفتها التنظيم الأكبر يجب أن تصرح بهذا. (إتزيونى، 1964)
1- التنظيمات تؤثر على حياة الأفراد والمجتمع بشكل مباشر وغير مباشر. فهى توفر لنا فرص العمل وتمدنا بالسلع والخدمات التى نحتاج إليها وتؤدى إلى رفع مستوى معيشتنا. كما أنها تساعد على تحقيق مبدأ التخصص وتقسيم العمل والذى يؤدى بدوره إلى زيادة الإنتاجية والدخل القومى.
2- التنظيمات هى مراكز اتخاذ القرارات التى تؤثر على حياة الأفراد والمجتمع. وبالتالى فإن دراسة سلوك التنظيمات والتنبؤ به تساعد على معرفة القرارات والتنبؤ بها ومعرفة مدى تحقيقها لمصالح الأفراد والمجتمع.
3- التنظيمات تؤثر على الأفراد داخلها وخارجها. ذلك أن القيم والاتجاهات المكتسبة من خلال عضوية التنظيمات من الممكن أن تؤثر على سلوك الأفراد خارج التنظيمات. كما ذكر الكاتبات فالتنظيمات كالوشم الذى يهوى البعض أن يرسمه على جسده سهل تنفيذه وعمله ولكن من صعب محوه بعد ذلك.
4- التنظيمات المدنية غير السياسية تؤثر على قرارات وسياسات الحكومة. وقد تكون الحكومة مستعدة لتقبل هذا التأثير أو لا؟ مثلاً إذا قررت شركة إنتاجية كبيرة تغيير أو إلغاء بعض خطوطها الإنتاجية.
لاشك أن ذلك يؤثر العمالة وفرص العمل المعروضة فى سوق العمل...الخ هل تترك هذه التنظيمات تدار بغض النظر عن الآثار المترتبة على السلوك الذى تنتهجه على الأفراد والمجتمع؟ أم يجب أن تكون مسئولة أمام الرأى العام والمجتمع؟ وإذا كان القرار كذلك فكيف؟ هذه المعضلة أو المشكلة الرئيسية فى الحياة الاقتصادية والتنظيمية الحديثة.
5- التنظيم يمثل سلوك جماعى لتحقيق الأهداف بفعالية (استخدام أمثل للموارد المتاحة) وكفاءة استخدام أفضل الوسائل لتحقيق هذه الأهداف والإدارة يجب عليها أن تتفهم طبيعة التفاعلات والعمليات التى تحدث داخل التنظيم وكيفية العمل على تنحسينها: هل قيادة التنظيم قادرة على التخطيط الاستراتيجي طويل الأجل أم تقتصر على التخطيط قصير الأجل؟ خل هيكل التنظيم القائم مناسب للتغييرات التكنولوجية والبيئية؟ هل تتبع الإدارة السياسات والإجراءات التى تضمن توفير قوة عاملة منضبطة ومدربة وراغبة فى العمل؟ هذه أمثلة لعشرات التساؤلات التى تثأر لضمان كفاءة وفعالية التنظيم.
6- التنظيمات لها تأثيرها على حياة الأفراد أعضائها. وتوجد بعض الدراسات والآراء التى تنادى بأن التنظيمات- والتى يقضى بها الأفراد معظم سنين حياتهم وعمرهم- لها آثار سلبية على الأفراد مثل الشعور بالانعزالية والاغتراب الاجتماعي. لاشك أن دراسة التنظيمات تستطيع أن تقدم وسائل العلاج التى تساعد فى القضاء على هذه الآثار السلبية للتنظيمات المعاصرة.
1/4 أزمة التنظيم:
تتلخص هذه الأزمة فى بحث التنظيمات المعاصرة عن أسلوب يمكنها من إقامة تجمعات إنسانية رشيدة، فى الوقت الذى تقلل فيه من النتائج والآثار السلبية لهذه التجمعات وتحقق التوازن بين الأهداف العامة والغايات الفردية.
حقا إذا كانت التنظيمات هى سمة عصرنا الحالى ولا مفر من تواجدها على النحو الذي سبق أن أوضحناه- فإنه يبدو أن لها تأثيرات إيجابية وأخرى سلبية (مزايا وعيوب). يجب علينا- إذن- أن نتعرف على هذه الخصائص المزدوجة للتنظيمات.
وقد أوضح شستر برنارد (Chester Bernard, 1938) مدير مؤسسة ومن أول الكتاب فى مجال التنظيم- أن اتحاد القوتين "التكنولوجيا والتنظيم" بعد قيام الثورة الصناعية قد أتاح للمجتمع الإنسانى عديد من الاختراعات. وساعد على زيادة المعرفة والقيمة. وهذا كله من نتائج عصر التنظيمات Organization Age.
ماكس فيبر Max Weber عالم الاجتماع الألمانى هو أول من اعترف بوصول عصر التنظيمات، ولقد ارتبط اسمه بالتنظيم البيروقراطي Bureaucratic Organization. ومازالت كتاباته تمثل حجر الأساس للكتب والمؤلفات المعاصرة فى موضوع التحليل التنظيمي. ويعتبر ماكس فيبر أكثر تميزاً وسبقا عن الآخرين- فى أواخر القرن التاسع عشر- لفهمه أهمية التطور التنظيمي والتغييرات والآثار التى أصبغها على المجتمع. فبينما أنفق كارل ماركس أمواله على الطبقة العاملة اعتقادا بأهميتها فى أحداث التغيير الاجتماعي، فقد كان التنظيم الرشيد (ومن وجهة نظر ماكس فيبر) فى شكل البيروقراطية أكبر وأهم علامات ورموز ووسائل التغيير فى المجتمع.
ما هى إذن خصائص ذلك التنظيم البيروقراطي الذى اعتبره ماكس فيبر أساس تغيير المجتمع وتطويره؟
1/5 التنظيم البيروقراطي:
ماكس فيبر لم يضع تعريفا محددا للبيروقراطية، إلا أنه حدد بعض الخصائص الواجب توافرها فى هذا التنظيم والذى اعتبره النموذج المثالى Type Ideal. هذه الخصائص تتلخص فيما يلي:
1/5/1 خصائص التنظيم البيروقراطي:
1- بنيان تنظيمي يتطلب الطاقة من جانب كل أعضائه.
2- وجود نظام رسمى للقواعد يحكم الأفعال والقرارات ويحقق استمرار العمل.
3- تحديد واضح للواجبات.
4- ليس لأى عضو فى التنظيم الحق فى تملك المنصب الرسمى (الوظيفة). كما أن تولى الوظائف لا يقوم على نظام وراثي أو انتخابي.
5- فصل الملكية عن الإدارة وبالتالى فلابد من الفصل التام بين ممتلكات التنظيم والممتلكات الشخصية لشاغل الوظيفة.
6- بناء رئاسي للسلطة متدرج يجعل كل موظف مسئولا عن المرؤوسين التابعين له. وتتحدد نطاق سلطة الرئيس وفقا لقواعد محددة وواضحة تماما.
7- علاقات رسمية تحكم علاقات العاملين بعضهم البعض أو مع عملاء التنظيم فى نطاق العمل.
8- يتم التعيين بناء على المهارات والخبرات الفنية والتعليم الرسمي أكثر من اعتماده على الارتباطات السياسية أو الأسرية.
9- فرص التقدم والترقى فى العمل تتم وفقا للأقدمية أو الكفاءة أو كلاهما معاً.
هذا التنظيم البيروقراطي المثالى- كما ذكر ماكس فيبر- هو أداة لتحقيق الرشد والعقلانية فى الأعمال الفنية المتخصصة. ذلك أن وجود نظام رئاسي متدرج والقواعد والإجراءات التى توضع بناء على المعرفة الفنية والتفكير الرشيد وليس التقاليد والعرف (كما كان فى التنظيمات القديمة) وتقسيم العمل وتعيين ترقية الأعضاء بناء على معايير محددة مبنية على الكفاءة والخبرة وليس المحسوبية أو المجاملة تؤدى جميعا إلى جعل هذا التنظيم وسيلة فعالة فى تحقيق الأهداف.
1/5/2 الآثار المترتبة على اتباع التنظيم البيروقراطي:
إن رسالة ماكس فيبر عن سيسولوجية التنظيم Sociology of Organization قد أوضحت أن لهذا الكيان (التظيم) بعض المزايا الإيجابية وأخرى سلبية.

1/5/2/1 الآثار الإيجابية للتنظيم البيروقراطي:
1 – التحديد الدقيق:
كل فرد من أعضاء التنظيم يعلم تماما الواجبات والمسئوليات الملقاء على عاتقه. وبالمثل فإن العملاء الذين يخدمهم التنظيم يعرفون جيدا حقوقهم نتيجة لهذا التحديد الواضح والدقيق.













خصائص التنظيم البيروقراطي
2 – السرعة:
التحديد الدقيق والواضح للواجبات والمسئوليات ووجود نظام رئاسي للسلطة داخل البناء أو الهيكل التنظيمي يؤدى إلى إمكانية السرعة فى تنفيذ الأعمال دون أدنى تأخير.
3 – الاستمرارية والبقاء:
إن وجود الشكل القانونى الرشيد للسلطة والشخصية الاعتبارية المستقلة للتنظيم من أعضاء التنظيم بضمان معا استمرارية البناء التنظيمي وعدم تأثره بما يحدث إنشائه (خروج أو وفاة أحد الأعضاء مثلا).
4 – تحديد واضح للاتجاه:
وجود الهيكل الرئاسي المتدرج للسلطة والنظام الجيد والمحكم للقواعد والإجراءات لبنية على المعرفة الفنية والخبرة يضمن التوجيه السليم والمستمر لكل جهود الأعضاء ناحية الاتجاه لتحقيق الأهداف المطلوبة.
5 – استمرارية العمليات والتشغيل:
ضمان استمرار أعمال التنظيم وسرعة اكتشاف ومعالجة أى نواحى قصور قد تظهر أثناء العمل- من جانب بعض الأعضاء وذلك فى ظل نظام قواعد وإجراءات تحكم سير العمل وتقييم أداء العاملين بالتنظيم.
1/5/2/2 الآثار السلية للتنظيم البيروقراطي:
لاشك أن التنظيم البيروقراطي والذى حدد فيبر معالمه الرئيسية ونص على ضرورة توافرها لتحقيق الأهداف المطلوبة بطريقة عقلانية ورشيدة كان مختلفا عن التنظيمات التقليدية التى سادت ما قبل هذه الفترة. غير أن هذه الخصائص التى يتميز بها التنظيم الجديد والبيروقراطي- لاشك- تؤدى إلى التقليل من حرية أعضاء التنظيم ذاته. وقد أوضح فيبر هذا ولكنه اعتبره- من وجهة نظره- هو السبيل والضمان الوحيد لتحقيق استقرار النظام وبلوغ البيروقراطية أعلى مستويات الكفاءة (كامل، 1982).
لقد تنبأ فيبر- كآخرين من الكتاب والعلماء المعاصرين فى مجال التحليل التنظيمي بأن التخصص والإنتاج الكبير واستخدام التكنولوجيا الحديثة التى أتت بها الثورة الصناعية سوف يؤدى إلى آثار سلبية على القوى العاملة البشرية، ويجعلها تشعر بالانعزالية والأغتراب الاجتماعى والأحباط وانعدام القوة وفقدان السيطرة. ذلك أن البيروقراطية تحقق لذاتها كيانا مستقبلا بعيدا عن سيطرة الإنسان، وتحاول أن تفرض سيادتها وسيطرتها عليه. بل أن التنظيم البيروقراطي يمثل عالما مغلقا على ذاته.
وهذا يرتبط بفكرة أخرى أوضحها ماكس فيبر فى كتاباته التاريخية. هذه الفكرة- من وجهة نظر فيبر- توضح أن التنظيمات ليست أنظمة أو هياكل ميكانيكية تدار بطريقة أوتوماتيكية لتحقيق أهداف محددة. بل هى عبارة عن أنظمة قوة Power Systems. داخل هذه الأنظمة تحاول الجماعات المسيطرة باستخدام أساليب القوة تجاه الجماعات الأخرى البقاء فى مراكز السيطرة والسلطة فى التنظيم. وهذا قد يوضح فكرة تواجد طرفين أساسين داخل التنظيم: الإدارة والعمال.
إذا كان التنظيم البيروقراطي- على النحو الذى تم عرضه- يؤدى إلى عدم الرضاء لكثير من أعضاء التنظيم أو يؤدى إلى شعورهم بفقدان السيطرة والانعزالية والإحباط... الخ- على النحو السابق توضيحه- فلماذا إذن مازال هذا الشكل أو النموذج قائم ومتبع؟ أو بصورة أخرى هل هناك بدائل أخرى للنموذج البيروقراطي توفر مزايا أكثر منه للعنصر الإنسانى؟ وما هى هذه المجموعات التى سوف يخدمها التغيير فى النماذج التنظيمية المقترحة؟
لاشك أن التنظيم البيروقراطي قد حقق بعض مصالح لبعض الأطراف. وهؤلاء سوف يقاومون أى محاولات لتغيير النموذج التنظيمي. لذا فإنه من المتوقع أن أى تغيير عن النموذج البيروقراطي سوف يؤدى إلى خلق صراع Conflict داخل التنظيم.
وفى الجزء التالى- سوف نتعرض بشكل مركز ومختصر للنظريات التنظيمية المختلفة والتى أثرت على الفكر التنظيمي وتطوره خلال القرن العشرين.
نظريات التنظيم وتطور الفكر التنظيمي
2/1 مقدمة:
يهدف هذا الجزء إلى عرض النظريات التنظيمية المختلفة لتوضيح الفكر الأساسي الذى أثر على التفكير التنظيمي فى القرن العشرين. والتعرف على الملامح والخصائص الأساسية للتنظيمات المختلفة وطرق عملها وممارستها لتحقيق الأهداف. والتأكيد على فكرة التعددية فى التنظيم وأهمية الصراع التنظيمي وضرورة التعامل معه من جانب المدير العصرى.
2/2 النظرية الكلاسيكية:
فى هذا الجزء سوف نتناول بالدراسة الأعمال الرئيسية للكتاب والعلماء الكلاسيك. كثير من الكتاب أوضح الاختلافات بين الأعمال التى قدمها هؤلاء. وأحيانا يستخدم اصطلاح "الكلاسيكية" ليصف أعمال هنرى فايول. فبينما ينظر إلى فرديك تيلور على اعتبار أنه مؤسس الإدارة العلمية. ويعتبر ماكس فيبر- عالم الاجتماع الألمانى- مؤسس البيروقراطية ويتمتع بخلفية علمية لا تتشابه مع كل من هنرى فايول وفردريك تيلور.
أننا لا نستطيع إهمال هذه الاختلافات بين أعمال فايول وتيلور وفيبر. ولكننا نحاول أن نصل إلى مدخل يوضح أوجه التشابه بينهم، وقد أوضحنا هذا فى الفصل الأول. لذا سوف ننظر إلى هؤلاء على أساس أنهم كتاب كلاسيكيون.
2/2/1 ماكس فيبر: Mex Weber
بالرغم أن ماكس فيبر لم تكن لديه الخبرة العملية فى الإدارة، كما أن أعماله لم تتح لكثير من الدارسين لعديد من السنوات حتى تمت ترجمتها من اللغة الألمانية إلآ أن النقاش والجدل بين العلماء والممارسين حول التنظيم البيروقراطي والنماذج البديلة له مازالت سارية حتى وقتنا المعاصر.
فقد توصل ماكس فيبر إلى تحديد الخصائص والمكونات الأساسية للبيروقراطية كنتيجة لدراسة قام بها عن طبيعة علاقات السلطة فى المجتمع. واوضح أيضا أن نمو هذه البيروقراطية إنما هو نتيجة لتطور عمليات التصنيع. فهو- أى ماكس فيبر- يرى أن المجتمع دائما مدفوع نحو التغيير. وأن أنواع السلطة التقليدية التى كانت تحكم المجتمع ما قبل التصنيع قد تغيرت إلى نوع رشيد من السلطات مع ظهور نظام المصنع الحديث New Factory System. وأن الأفراد الذين يمارسون سلطة الأمر- فى هذا المجتمع- قد تم اختيارهم وتعيينهم بناء على قواعد وإجراءات قانونية وليس بناء على العرف أو التقاليد كما كان يحدث قبل ذلك.
فالعلاقة بين الرئيس ومساعديه داخل النظام الأقطاعى- على سبيل المثال- علاقة شخصية ترتكز على شرعية السلطة المبنية على التقاليد. أما فى النموذج البيروقراطي فإن علاقات السلطة غير شخصية، كما أنها تستند فى شرعيتها على قواعد محددة وكفء وسليمة. وإن البيروقراطية هى تعبير تنظيمي لعمليات التصنيع.
وقد أوضح ماكس فيبر أن التنظيم سواء كان يتبع النموذج البيروقراطي أم غيره- لا يمكن اعتباره جيدا أو رديئا، بل هو مزيج من عوامل متعارضة ومجموعاتع قوة (أنظمة قوة) تسعى كل منها بالقوة للسيطرة على المجموعات الأخرى.
وقد أشار فيبر- فى كتابات لاحقة له- أن التراجع عن البيروقراطية والتى ينادى به كثير من الكتاب المعاصرين لتحسين الفعالية التنظيمية ليس بالأمر السهل اليسير. فمن وجهة نظره فإنه الأشكال التنظيمية البديلة للبيروقراطية سوف تتطلب أيضا توافر نظام هرمى للسلطة وقواعد وإجراءات روتينية إذا أريد لها أن تحقق الأهداف بنجاح. هذا بالإضافة إلى المقاومة التى سوف تبديها المجموعات المستفيدة من النموذج البيروقراطي فى مواجهة النماذج الجديدة المقترحة. وهذا سوف يزيد من حدة الصراع بين جنبات التنظيم وبين مجموعاته المختلفة.
2/2/2 هنرى فايول: Henry Fayol
المساهمة الثانية فى النظرية الكلاسيكية قد جاءت من الفرنسى هنرى فايول. لقد حاول- هنرى فايول- أن يقدم مدخلا جيدا لحل المشاكل الإدارية للتنظيمات بكل أشكالها وبغض النظر عن كونها: قطاع عام أم خاص، كبيرة أم صغيرة الحجم، صناعية أم غير صناعية.
هذا المدخل يعتمد على إيجاد أو وضع مبادئ عامة للتعامل بها فى كل المواقف التنظيمية، وذلك بناء على خبرته التى امتدت إلى قرون فى صناعة التعدين الفرنسية.
ولقد عانى فايول- كما حدث أيضا مع فيبر- من تأخر نقل وترجمة أعماله من اللغة الفرنسية إلى عام 1949 وبعد فترة طويلة من إعداده لها. غير أن مبادئه مازالت تمثل جزءا ملموسا فى كتابات التحليل التنظيمي حتى الآن. وقد بين فايول وجهه نظر أن التنظيم آلة (النموذج الآلى) وبالتالى فلم يهتم بالعنصر البشرى، ولم يعتبره عنصراً مؤثرا على السلوك التنظيمي. وأوضح أن الوظائف الإدارية لأى تنظيم يجب أن تنقسم إلى الوظائف التالية:
1- التنبؤ Forecasting.
2- التخطيط Planning.
3- التنظيم Organizing.
4- إصدار الأوامر Commanding.
5- التنسيق Co-ordinating.
6- الرقابة Controlling.
كما أوضح أهمية ضروزرة وجود أهداف واضحة ومحددة للسلطة والقرارات والوظائف.
وطالب بضرورة تطبيق بعض المبادئ الإدارية الهامة، مثل:
 مبدأ وحدة الأمر Unity of Command من القمة إلى القاعدة.
 توفير نظام رئاسي متدرج للسلطة محدود المستويات.
 نطاق إشراف Span of Control محدود لضمان نظامن إشراف مباشر ودقيق.
 تفويض السلطة إلى المرؤوسين فيما يتعلق بالقرارات الروتينية حتى لا تستغرق وقت متخذى القرارات الاستراتيجية فى التنظيم.
وقد تعرضت مفاهيم ومبادئ هنرى فايول إلى الانتقاد من جانب عدد كبير من الكتاب والعلماء. مثلا سيمون Simon أوضح أن هناك تعارضاً بين المبادئ التى قدمها فايول.
إن محاولة تطبيق مبدأ نطاق الإشراف المحدود يتعارض مع مبدأ وحده الأمر وكذلك مع مبدأ محدودية مستويات السلطة فى الهرم التنظيمي. غير أن مبادئ فايول مازالت مستمرة إلى عصرنا الحالى. وعلى أقل تقدير فقد ساعدت هذه المبادئ على إيجاد لغة مشتركة ومفهومة لوصف التنظيمات والأمداد بالأسس اللازمة لوضع طرق التحسين الممكنة.
2/2/3 فردريك تيلور: Frederick Taylor
جاءت المساهمة الثالثة للمدرسة الكلاسيكية من جانب الأعمال التى قدمها فردريك تيلور والذى يعتبر المؤسس والأب الشرعى للإدارة العلمية. وعلى عكس هنرى فايول الذى نظر إلى التنظيم بوجهة نظر تتصف بأنها من أعلى إلى أسفل "Down- Top"، فإن تركيز تيلور كان على مستوى الإدارة المباشرة والمصنع أو الورشة.
المشكلة التنظيمية الخاصة بانخفاض الكفاءة الإنتاجية والتى كانت تواجه الصناعة الأمريكية اعتبرها تيلور مشكلة فنية بحتة وتحتاج إلى تطبيق إلى الإدارة العلمية على مستوى الإدارة المباشرة لذلك فإن مدخل تيلور فى الإدارة العلمية اعتمد على:
(1) التحليل المتعمق والتفصيلي لكل الأعمال والوظائف فى التنظيم مع ضرورة دراسة الزمن الذى يستغرقه كل جزء من الأجزاء.
(2) اختيار وتدريب رجال الصف الأول First- Class Men لتحقيق العمل اليومى المطلوب.
لقد كان الاعتقاد السائد لدى تيلور هو أن عدم الكفاءة كمظهر للسلوك التنظيمي يمكن معالجتها عندما يتفهم العمال أنه من صالحهم تحقيق عمل اليوم العادل Day's Work "Fair". وبالتالى فإن استخدام نظم ربط الأجر بالإنتاج سوف يوضح هذا للعمال حيث يزداد أجرهم مع زيادة الإنتاجية الخاصة بهم. هذا المفهوم مازال يمثل أحد الأيدلوجيات الإدارية السائدة ومازالت فى التطبيق فى عصرنا الحالى.
لقد ركزت الإدارة العلمنية لتيلور على أهمية التعاون بين طرفي العمال والإدارة حتى يمكن تحقيق الهدف المشترك وهو مصلحة المجموعتين. وبالتالى فإن الصراع بين العمال والإدارة- بالنسبة لتيلور- غير مقبول وغير معترف به. هذا الاعتقاد قد أثر على نظرة تيلور للنقابات والأجهزة العمالية. لقد اعتبر تيلور النقابات والأجهزة العمالية أدوات لخلق الصراع وليس لتحقيق مصالح المجتمع والتنظيم، وهى أدوات لتقييد الإنتاج.
ويلاحظ أن كلا من تيلور وفايول قد اتفقا على وجهة النظر التى تؤيد أن هناك طريقة واحدة مثلى "One Best Way" لإدارة التنظيمات وعلاج المشكلات التى تعترضها وتؤثر على السلوك الخاص بها. غير أننا سوف نوضح بعد ذلك خطأ هذا الاعتقاد الذى اعتنقه الرواد فى مجال السلوك التنظيمي. ولكننا الآن سوف نركز اهتمامنا على دراسة نظرية العلاقة الإنسانية كأولى ردود الأفعال للنظرية الكلاسيكية والتى قدمت مدخلا أخرا لدراسة سلوك التنظيم.
2/3 نظرية العلاقات الإنسانية:
كما أن كثير من الأفكار والممارسات التى يتبعها بعض المديرين فى عصرنا الحالى يمكن إرجاع تاريخها إلى النظرية الكلاسيكية، أيضا فإن كثير من هذه الأفكار والممارسات الإدارية ترجع تاريخيا إلى مدرسة العلاقات الإنسانية.
وتمثل نظرية العلاقات الإنسانية تغيرا ملموسا ومعنويا عن النظرية الكلاسيكية (الإدارة العلمية) كنتيجة للأبحاث التى أعدت بواسطة إلتون مايو Elton Mayo وزملائه فى جامعة هارفارد فى العشرينات والثلاثينيات من هذا القرن. ويمكن توضيح هذا التغير عند مقارنة الفروض والنماذج التى قامت عليها كل من المدرستين فى النظر إلى العنصر الإنسانى داخل التنظيمات.
افتراضات النظرية الكلاسيكية (الإدارة العلمية)
1- الأفراد يحفزون بالدرجة الأولى بواسطة الحوافز الاقتصادية (المادية) ولذلك فسوف يقومون بكل ما يضمن تحقيق أعلى عوائد اقتصادية لهم.
2- حيث أن الحوافز الاقتصادية تكون تحت سيطرة التنظيم فإن الأفراد يمكن السيطرة عليهم وتوجيههم وحفزهم للعمل عن طريقة استخدام تلك الحوافز الاقتصادية، وذلك من خلال مراجعة أو منع أو تقليل الحوافز الاقتصادية.
3- شعور Feeling الفرد غالبا ما يكون غير عقلى أو غير رشيد ويجب عدم تأثير أو تدخل هذا الشعور مع الحسابات الرشيدة للمصلحة الفردية.
4- يجب تصميم التنظيم بطريقة تضمن تحييد أو السيطرة على التصرفات الفردية المستقبلية الغير مؤكدة. ويتحقق ذلك من خلال فرض بعض القيود على تصرفات الأفراد ومراجعة الحوافز الاقتصادية.
افتراضات نظرية العلاقات الإنسانية:
1- الفرد لا يمكن تحفيزه فقط بواسطة الحاجات الاقتصادية Needs Economic ولكن أيضا بالحاجات الاجتماعية Social Needs. الفرد يحقق ذاته لدرجة كبيرة من خلال تفاعله مع الآخرين، وعلى وجه الخصوص داخل مكان العمل.
2- فقدان العمل لأهميته ومعناه نتيجة عملية الترشيد التى حدثت له. ولذلك فإن الفرد العامل يسعى للبحث عن ما فقده من خلال شبكة العلاقات الاجتماعية الموجودة داخل التنظيم.
3- تتم الاستجابة من جانب الفرد العامل للإدارة عندما تحقق حاجاته الاجتماعية والاقتصادية وليس الاقتصادية فقط.
سوف نتناول تجارب هاثورن فى فصول أخرى لاحقه، غير أن الذى يهمنا الآن هو توضيح الأثر الذى أحدثته هذه التجارب فى تطور الفكر الأكاديمي نحو التنظيم.
لقد أوضحت هذه التجارب التى أجريت فى مصنع هاثورن المملوك لشركة ويسترن إليكتريك الأمريكية أن النظر إلى التنظيم باعتباره فقط بناء رسميا من العلاقات يعتبر صورة غير مكتملة لما يحتويه من تعقيدات، وأن التنظيم ليس فقط مثل الآلات وإنما يحتوى على أنظمة اجتماعية غير رسمية. لذا فإن السلوك الخاص بالأفراد العاملين داخل التنظيم لا يمكن التأكد من أو القول بأنه موجه فقط إلى تحقيق أهداف التنظيم، فقد يكون متجها إلى تحقيق أهداف أخرى غير رسمية.
إن الأفراد هم أعضاء فى نظم اجتماعية ذات قيم ومعتقدات وتقاليد خاصة بها. وهذه النظم الاجتماعية الغير رسمية قد تعوق الإدارة عن تحقيق أهدافها إذا لم يتم الاعتراف بها والتعامل معها بشكل سليم.
إن تطور نظرية التنظيم، كما أوضحنا فى الفصل الثانى- يصنف على أنه ظهوةر مستمر لمدارس فكرية مختلفة، ولا يوجد حكر لبعض المدارس على حساب البعض الأخر. لاشك أن ذلك يؤدى إلى إثراء التراث التنظيمي ويساعد على اكتمال أبعاد الصورة المتكاملة عن السلوك التنظيمي وإمكانية التنبؤ به. كل من النظرية الكلاسيكية ونظرية العلاقات الإنسانية قد واجهت العديد من الانتقادات فى السنوات الأخيرة. هذا لا يعنى أن هذه النظريات غير هامة أو أنها قد انتهت من التطبيق أو التواجد كأساس ايدلوجيات إدارية معاصرة. ولكن يدفعنا خطوة للأمام لدراسة بعض التطورات النظرية الحديثة.
2/4 نظرية النظم:
أحد التطورات الحديثة فى مجال التنظيم هى نظرية النظم. هذه النظرية التى اعتبرها كثير من الكتاب منعطفا هاما فى فهم وتفسير السلوك التنظيمي (Perrow, 1973). ولقد ظهرت العديد من الكتابات فى السنوات الأخيرة توضح تطور فكرة أن التنظيمات لها خصائص النظم. وسنحاول هنا أن نوضح فقط أهم الأفكار الرئيسية فى هذه الكتابات، كما يلي:
أولا: كل جزء من أجزاء التنظيم مرتبط بالأجزاء الأخرى وأن أى تغير يطرا على أى جزء يؤثر على بقية الأجزاء الأخرى.
ثانيا: لاستمرار التنظيم وبقائه فإن عليه أن يسعى للحصول على الموارد Inputs الخاصة به من المجتمع المحيط به: الأفراد، الأموال، الآلات ... الخ. هذه الموارد سوف يقوم التنظيم بتحويلها إلى نواتج أو مخرجات Outputs. هذا يوضح أن الحدود بين التنظيم والمجتمع مفتوحة وليست مغلقة. وهذا يؤدى إلى حدوث تباين (اختلاف) تنظيمي Organizational Variation. لذلك فإنه يمكن القول بأن التنظيم يعمل فى ظل ظروف بيئية متعددة ومختلفة. هذه الظروف وتغيرها تؤدى إلى تغيرات كثيرة تؤثر على السلوك التنظيمي.
هكذا فإنه فى حين أن النظرية الكلاسيكية كانت تؤكد على أن هناك طريقة أمثل لإدارة التنظيم والتنبؤ بالسلوك الخاص به، والتى كانت تفترض أن التنظيم نظام مغلق لا يتعامل مع الظروف البيئية المحيطة به فإن النظرية الحديثة للتنظيم توضح أن التنظيم نظام مفتوح يتأثر بالتغيرات البيئية المحيطة به، وبالتالى لا توجد طريقة واحدة مثلى لإدارة التنظيم أو التحكم فى سلوكه.
2/5 النظرية الموقفية:
تعتبر النظرية الموقفية Contingency Theory أحد الأمثلة لتطبيق نظرية النظم فى مجال دراسة التنظيم. وسوف نتناولها بالشرح فى فصل قادم. غير أننا هنا سوف نشير باختصار إلى أثرها على الفكر التنظيمي.
إن تحليل نظرية الموقفية (المدخل الموقفي) يبنى على فكرى التباين التنظيمي الناتج من اختلاف الظروف: الأهداف، البيئة، التكنولوجيا وكل المتغيرات الموقفية الأخرى. وأن خصائص التنظيم يجب أن تتناسب مع الظروف الموقفية. يضاف إلى ذلك أن هناك اختلافا بين التنظيمات طبقا للظروف التى يواجهها أو يعايشها كل منها. الاختلافات التنظيمية قد تكون ناتجة عن اختلاف نوع الملكية أو الظروف البيئية والتكنولوجية التى تواجهها.
 أوضح بيت سميث Pitt & Smith أثر الملكية على اختلاف التنظيم فقد وجدا أن التنظيمات ذات الملكية العامة كالقطاع العام تميل إلى اتباع خصائص التنظيم البيروقراطي أكثر من القطاع الخاص.
 إن التنظيمات التى تعمل فى ظل تكنولوجيا غير روتينية تعتبر تنظيمات أكثر حيوية "Organic" أو مرونة أكثر من التنظيمات التى تدار فى ظل ظروف بيئة ثابتة وتستخدم تكنولوجيا روتينية.
أيضا من التطورات الهامة التى يجب الإشارة إليها هو التطور الخاص بالنظرة للفرد عضو التنظيم. هذا التغير قد تحول إلى صالح النموذج الموقفي. هذا النموذج الذى تبنى مفهوم الرجل المعقد Complex Man على عكس مفهوم النظرية الكلاسيكية التى نظرت إلى الفرد على أنه الرجل الاقتصادي Economic Man أو مفهوم العلاقات الإنسانية والرجل الاجتماعى Social Man. لاشك أن التحول فى مفهوم الفرد فى ظل المدخل الموقفي يتطلب إعادة النظر فى أنظمة الحوافز التى تبنتها المدرسة الكلاسيكية أو مدرسة العلاقات الإنسانية.
هكذا يتضح لنا أثر المدخل الموقفي- المبنى على نظرية النظم- على مفاهيمنا وأفكارنا الخاصة بالتنظيمات والأفراد أعضاء هذه التنظيمات. غير أن التطورات الأخرى التى حدثت ليست أقل أهمية. وسوف نرى فيما بعد أن علماء الاجتماع الصناعى وخبراء العلاقات الصناعية قد تحولوا من وجهة النظر إلى التنظيم على أنه كيان وحدودى أو مركزى Unitary والتى صبغت النظريات الأولى إلى وجهة النظر التى تنظر إلى التعددية Pluralistic داخل التنظيم. هذا المدخل قد حدده آلان فوكس Alan Fox (1966) وقدمه إلى لجنة دونوفان Donovan التى عقدت لبحث موضوع العلاقات الصناعية فى المملكة المتحدة. وقد أدى ذلك إلى بداية التفكير فى أسباب وأهمية الصراع التنظيمي.
الاهتمام بموضوع الصراع التنظيمي الآن أصبح أكثر من قبل بعد ما حدث فى التحول من النظرة إلى التنظيم على أنه شيء واحد متكامل إلى النظرة إلى تعدد المصالح داخل التنظيم. فكثير ما نجد أن دعوة الإدارة للعمال للتعاون معها لتحقيق الأهداف المشتركة لا تجد آذانا صاغية لذا أصبحت إدارة الصراع التنظيمي جزءا من عمل المدير العصرى.
البيئة والتكنولوجيا
3/1 مقدمة:
سوف نحاول فى هذا الفصل تطوير فكرنا حول بعض الموضوعات التى أثيرت فى الفصول السابقة. على وجه الخصوص سوف نتناول موضوع التباين التنظيمي والخاص بالاختلافات الغير عشوائية الواقعة بين التنظيمات المختلفة فى كل النواحى مشتملة على الهياكل التنظيمية الخاصة بهم وكذلك سلوك الأفراد فى كل منهم. ولاشك أن هذا يجعلنا أكثر فهما ودراية بالمدخل الموقفي فى التحليل التنظيمي (حيث سوف نوضح لماذا يختلف التنظيم) والمشاكل والصعوبات العملية المصاحبة لذلك. إضافة إلى أننا سوف نتناول بشيء من التفصيل التطور النظرى المتولد أو الناتج عن مداخل النظرية الموقفية.
3/2 تلاشي مدخل الطريقة المثلى:
مما سبق يتضح لنا بجلاء أن علماء التنظيم- ولسنوات عديدة- كانوا على قناعة بأن هناك طريقة أو مدخلا واحداً فقط أمثل لإدارة التنظيمات (الطريقة المثلى: (One Best Way) مهما اختلفت الظروف وأيا كان نوع هذه التنظيمات.
وقد تمسك علماء التنظيم بهذه الفكرة بالرغم من أن التجارب أثبتت عدم صحتها. ومن المعروف أن هذا المدخل قد ظهر إلى حيز الوجود على أيدى الكتاب والعلماء الأوائل. غير أنه مع تطور ونضج التحليل التنظيمي كفرع من فروع المعروفة فقد أصبح مدخل الطريقة المثلى محل تحد كبير. وكان لهذا التحدى الأثر الكبير فى تناقص وتلاشي أهمية مدخل الطريقة المثلى لإدارة التنظيمات المختلفة.
وتمثل النتائج التى توصلت إليها جوون وود وارد Joan Woodward التى كانت تعمل أستاذة فى الكلية الملكية بلندن أحد وأهم التحديات الهامة لمدخل الطريقة المثلى كانت جوون وودوارد تنتهج الأسلوب التطبيقي فى تدريس العلوم الإدارية لطلابها وذلك لتوضيح العلاقة بين النظريات الأكاديمية والممارسات الإدارية العملية (Woodward, 1970). ومنطقيا فقد توقت وودوارد أن تجد علاقة منطقية بين المبادئ التنظيمية الناجحة التى يستخدمها الإداريون وبين المبادئ النظرية التى وضعها هنرى فايول وغيره من العلماء الكلاسيك. ولكن ما حدث كان مفاجأة كبيرة بالنسبة لها. فقد توقعت وودوارد أن تجد رجال الإدارة فى المائة تنظيم التى تناولتها بالدراسة يطبقون نفس الهيكل البيروقراطي المتماثل فى عدد مستوياته الرئاسية وحجم نطاق الإشراف إلى أخره مخن الصفات المرتبطة به. ولكنها وجدت أنهم يطبقون هياكل تنظيمية مختلفة وليس هيكلا واحداً أمثلا حسب افتراض مدخل الطريقة الواحدة المثلى.
بل أكثر من هذا فإنها عندما قامت بتقسيم هذه التنظيمات إلى مجموعات حسب نوع التكنولوجيا المستخدمة فقد وجدت إن هناك فروقا جوهرية بين هذه التنظيمات (فروقا فى هياكلها التنظيمية) طبقا لنوع التكنولوجيا المستخدمة:
 المنشآت التى تستخدم تكنولوجيا بسيطة جدا أو معقدة تميل إلى استخدام هيكل تنظيمي من النوع الذى أطلق عليه بيرنز وستالكر التنظيم الحيوى Organic Form.
 المنشآت التى تستخدم تكنولوجيا ذات درجة تعقيد متوسط تميل إلى استخدام هيكل تنظيمي يتميز بالروتينية أكثر وهو ما أطلق عليه بيرنز وستالكر التنظيم الميكانيكي Mechanistic Form.
الشكل التالى يوضح العلاقة بين درجة البيروقراطية ونوع التكنولوجيا المستخدمة كما أوضحته دراسات جوون وودوارد.









نوع التكنولوجيا المستخدمة
العلاقة بين التكنولوجيا وخصائص البيروقراطية
العلاقة بين التكنولوجيا وخصائص البيروقراطية من الشكل السابق يتضح أن هناك علاقة بين خصائص البيروقراطية وبين التكنولوجيا المستخدمة. ففى حالة المنشآت التى تتبع نظام إنتاج الوحدة Unit واللوطات (الدفعات) الصغيرة Small Batches فإنها تكون فى الغالب صغيرة الحجم وتقوم بإنتاج منتجات يصعب تنميطها. على سبيل المثال فى إنتاج السفن (إنتاج وحدات) لا يتم إتباع نموذج ثابت بل دائما يكون الإنتاج حسب أوامر العملاء. ومثل ذلك أيضا الترزى الذى يقوم بتفصيل البدل الرجالى فإنه لا يستطيع اتباع نموذج واحد أو ثابت ولكن يلتزم بمقاسات كل عميل على حده.
كذلك الحال فى حالة إنتاج العملية Process والذى يستخدم أنظمة تكنولوجيا معقدة جدا. مثلا صناعة تكرير البترول- كنموذج كلاسيكي لتكنولوجيا عملية "process Technology" فإننا نجد العمليات تتم بدون تدخل العنصر البشرى على مدار اليوم. بمعنى أن العمليات تتم فى هذا النظام التكنولوجى باستقلالية تامة من عنصر العمل.
فى هذه الصناعات التى تتصف باستخدام كثيف لرأس المال Capital Intensive تكون نسبة المهنيين إلى العمال اليدويين عالية جدا. ويتركز عمل الملاحظين الإدارة على أخذ عينات منه الإنتاج فى خلال مراحله المختلفة للتأكد من تحقيق مستوى الجودة أو المواصفات المطلوبة، وليس فى مهمة إدارة وتوجيه العمال. ولهذا نجد أن التوسع فى استخدام المهنيين مع النظام التكنولوجى المطبق (تكنولوجيا العمليات) جعل هذه التنظيمات قادرة على تطبيق الهيكل الحيوى Organic للتنظيم كما يتم فى الصناعات التى تقوم بإنتاج اللوطات الصغيرة أو الوحدات.
على العكس ففى حالة الصناعات التى تتبع أسلوب إنتاج خطوط التجميع الكبير Mass- Assembly فإنها تقوم بالاستعانة بعدد كبير من العمال والمهنيين. وكما دل الاسم فإنها تقوم بتصنيع منتجات عالية التعقيد والتى تتطلب عديداً من الأجزاء فى صناعتها، مثال ذلك صناعة السيارات. وهذه الصناعات تتطلب درجة عالية من وحدتين والتنميط لضمان تنفيذها بكفاءة وفعالية. وتتطلب أن يعمل الأفراد كالآلة بصورة متكررة بدون توقف. ولذا فلقد أصبح من المتعارف عليه فى مثل هذه التنظيمات تطبيق هيكل ذى درجة عالية من البيروقراطية للسلطة.
هكذا فإن نتائج دراسات وودوارد أوضحت أثر التكنولوجيا على النسيج الاجتماعى والهياكل الخاصة بالتنظيمات. وجعلت بعض المنظمات تتبع النموذج البيروقراطي المثالى أو نماذج أخرى أكثر مرونة منه.
هذه الدراسة ودراسات أخرى أجريت اجتمعت جميعا وامتزجت لتصنع مولدا لمدخل جديد فى التحليل التنظيمي وهو المدخل الذى يعتمد على ما يسمى بالنظرية الموقفية Contingency Theory. هذا المدخل الجديد يوضح أن الأهداف، نوع الملكية التكنولوجيا المستخدمة والبيئة كلها عوامل تؤدى إلى اختلاف التنظيمات. بالدلى Baldy وبيرو Perrow أوضحنا أنه فى حالة المواقف الغير روتينية والتى فيها التنظيم يواجه ظروفا متغيرة وغير مؤكدة سوف تؤدى إلى تشجيع استخدام نماذج تتصف بالمرونة والحيوية فى عملياته. وهذا بعكس الحال فى ظل المواقف الروتينية فإن النماذج البيروقراطية تبدو معقولة ومناسبة.
من المهم أن نوضح أيضا أن التكنولوجيا المستخدمة لا تؤثر فقط على نوع الهيكل التنظيمي ولكن أيضا تؤثر على اتجاهات ومواقف وسلوك أعضاء التنظيم (روز، 1964).
دراسة روبروت بلانر Robert Bauner أوضحت أن الاختلافات بين التنظيمات تبعا لنوع التكنولوجيا المستخدمة قد أثر وبدرجات متفاوتة على اتجاهات العمال للأعمال والوظائف التى يؤدونها ورؤيتهم لها على أنها محبطة وتبعث على الملل والسأم. وبينما الأعمال الحرفية تجعل العامل سعيدا حيث لديه السيطرة الكاملة على ظروف وإمكانيات العمل ويرى ويدرك نتيجة عمله فى النهاية ويفتخر به، فإننا نجد الأعمال التى تتم فى خطوط التجميع تؤدى إلى عدم رضاء العمال وشعورهم بدرجة عالية من الإحباط والملل بل وتجعله مغتربا عن العمل والتنظيم الذى يعمل به. هذه الظاهرة يطلق عليها ظاهرة الانعزالية أو الاغتراب الاجتماعي (كامل، 1985).
3/3 ظاهرة الاغتراب الاجتماعى: Alienation
الاغتراب الاجتماعى هو الشعور بالغربة عن الثقافة والمجتمع المحيط، إذ أن القيم المعايير الاجتماعية السائدة تبدو عديمة المعنى للفرد. ومن ثم فإنه يستشعر العزلة والإحباط. كما يتضمن الاغتراب الاجتماعى أيضا الشعور بانعدام القوة. ويستخدم هذا الاصطلاح فى ميادين عديدة مثل علم الاجتماع، الفلسفة، القانون، علم النفس الصناعى، علم النفس الاجتماعى الصناعي وحاليا فى علم اجتماع التنظيم. يستخدم فى مجال بحوث التنظيم للإشارة إلى كافة الظروف والأوضاع التى جعلت البيروقراطية تحقق لذاتها كيانا مستقلا عن سيطرة الإنسان وتحاول أن تفرض سلطاتها عليه.
وقد حدد بلانر Blauner أربعة عناصر اعتبرها عناصر أساسية لمشكلة الاغتراب الاجتماعى لدى العاملين:
(1) شعور العامل بالغربة: Self- Estrangement
شعور العامل بأنه غريب داخل مكان العمل كنتيجة للمغالاة فى تطبيق مبدأ التخصص وتقسيم العمل وبالتالى تعدد المستويات الإدارية والتنظيمية.
(2) شعور العامل بعدم القوة: Property lessens
شعور العامل بفقد السيطرة على ظروف العمل ووسائله وذلك نتيجة للتوسع فى الاعتماد على الآلات وبعد أن كان هو سيد الآلة أصبحت الآلة هى المسيطرة وأصبح العامل عاملاً مساعداً لها فقط.







عناصر الاغتراب الاجتماعى
هذا بالإضافة إلى عدم إلمامه أو معرفته بما يجرى حوله داخل تنظيم العمل.
(3) شعور العامل بعدم جدوى أو أهمية العمل: Meaning Lessens
انخفاض الدور الذى يقوم به أو عدم أهمية المهارات المكتسبة لديه وتحول العمل إلى أجزاء صغيرة روتينية بسيطة.
(4) شعور العامل بعدم الملكية: Property Lessens
العامل لا تربطه بالتنظيم أى صورة من صور الملكية سواء للآلات أو المعدات أو المواد حتى ناتج العمل.
وبينما أرجع كارل ماركس الشعور بالاغتراب لدى العامل للنظام الرأسمالى المطبق فى الدول الغربية، فإن المؤلف أثبت أن هذا الشعور موجود لدى العاملين فى شركات القطاع العام. وكان السبب الأساسي وراء تولد هذا الشعور هو التنظيمات البيروقراطية وكبر حجمها (كامل، 1982).
وأثبتت الدراسات الميدانية أيضا أن التكنولوجيا المستخدم تؤثر على سلوك جماعات العمل وكذلك مناخ العلاقات الصناعية داخل التنظيم المعين سايلس Sayles هذه النتيجة الأخيرة التى توصلت إليها دراسة سايلس ممكن أن تفسر بشكل أفضل إذا ما أخذنا فى الاعتبار الاختلافات الشخصية بين الأفراد، وكذلك العوامل الاجتماعية المحيطة بالموقف المعين.

علينا الآن أن نلاحظ التطورات التالية:
 أوضحنا سابقا أن النظرية الكلاسيكية قامت على افتراض التشابه بين الأفراد. كما تبنى تيلور مفهوم الرجل الاقتصادى عن الأفراد وبالتالى فإن الحوافز المادية هى أفضل الوسائل لعلاج مشكلة انخفاض الإنتاجية.
 العلاقات الإنسانية أوضحت عدم صحة هذا الفرض وأثبتت أن دوافع الأفراد ليست مادية فقط ولكنهم يبحثون عن علاقات عمل مرضية. لذا فإن على الإدارة أن تتحول من مفهوم الثواب والعقاب فى التحفيز إلى التركيز على فعالية العلاقات الإشرافية المبنية على فلسفة المشاركة والاستشارة.
 حديثا مازالت نظرية الحوافز تركز على ضرورة قيام الإدارة بتشجيع وحفز العاملين من خلال فلسفة تحقيق الذات Self- Actualization. نجد هنا أن الافتراض الذى بنى عليه هذا الاتجاه هو أن جميع الأفراد يتوقعون أن يجدوا الرضاء وحققوه من خلال علاقاتهم التنظيمية. إذ أن إثراء أو تغنيه الوظيفة Job Enlargement and Job Enrichment وإرجاع المتعه والمعنى والأهمية التى افتقدها العاملون فى التنظيمات الحديثة هى العمل الرئيسي والأساسي للإدارة.
تماما ومثلما حدث بالنسبة للتكنولوجيا التى أدت إلى تغيير النظرة التقليدية حول التنظيم- حيث أوضحت أن المواقف المختلفة تتطلب حلولا تنظيمية مختلفة- فإن وجهات النظر المعارضة بدأت تترك فكرة أن "الأفراد متشابهون" وبالتالى تتشابه أعمال الإدارة وممارستها.
أننا قد نستطيع تشجيع بعض الأفراد عن طريق إثراء أو تكبير الوظائف وتحقيق الذات، ولكن هناك البعض الأخر الذى قد يكون سعيدا بأن عمله روتيني وممل طالما أنه يحقق له أجرا أعلى. لاشك أن محاولة الإدارة إقناع هذه المجموعة الأخيرة عن طريق خلق وتوفير تنظيم حيوى Organic سوف تجعلهم يعتقدون أنها وسيلة لخداعهم من جانب الإدارة.
ومع بداية فترة الستينيات بدأ تظهر التحديدات والانتقادات الكثيرة للفرض القائل بالطريقة الوحيدة المثلى "One Best Way" لإدارة التنظيم (وهى البيروقراطية) وأيضا أن الأفراد كمجموعات يتصرفون بطريقة متشابهة. ونجد أنه بينما نوعية التكنولوجيا المستخدمة مهمة وتؤثر على التنظيم لكنها ليست هى العامل الوحيد الذى يؤدى إلى الاختلافات التنظيمية حيث أن الظروف البيئية التى يعمل فيها التنظيم تؤثر على الأنظمة التى يستخدمها.
أكثر الكتابات حول هذا الموضوع كانت تلك الخاصة ببيرنز وستالكر والتى أشرنا إليها فى الفصل السابق. حيث كانت تعمل علامة بارزة على تطور نظرية الموقفية. كذلك أثرت دراسات جون وودوارد وسايلس. هذه الدراسات جميعا أثرت بالتالى على كتاب آخرين للمدخل الموقفي Contingency Approach. لورانس ولورش Lawrence and Lorsch من كتاب المدخل الموقفي قاما بدراسة هامة فى 1967. أوضحت هذه الدراسة أن هناك اختلافا جديدا بين التنظيم الميكانيكي والتنظيم الحيوى. وتعتبر هذه خطوة أخرى للأمام حيث طبقوا ذلك على الأجزاء المكونة للتنظيمات الفردية. التنظيم يتكون من أنظمة وظيفية متعددة Multi- Functional Systems، وبالتالى فهو يتكون من أجزاء متعددة وكل جزء منها يواجه مشاكل هيكلية ترجع إلى طبيعة العمل أو النشاط الذى يقوم به. لهذا فإنه أهم خاصية لهذه التنظيمات المعقدة هى الاختلافات والتباين بين إداراتها الوظيفة المتعددة (Lawrence & Lorsch 1967). لهذا فإن وظيفة الإنتاج (فى حالة اتباعها أسلوب خط التجميع الكبير السابق الإشارة إليه) فإنها تتطلب درجة عالية من الروتينية والأعمال السابق برمجتها وإعدادها ويصبح مناسبا لها التنظيم البيروقراطي الميكانيكي. بينما نجد أن وظيفة البحوث والتطوير قد تتطلب تنظيميا حيويا ومرنا لأنها تتعامل مع مشاكل غير روتينية ومتجددة، وهى بالتالى لا يناسبها التنظيم الذى يعتمد على القواعد والإجراءات الثابتة.
وأوضحت الدراسة أن انتقال التنظيم من ظروف بيئية معينة إلى ظروف بيئية أخرى مثلا لمواجهة احتياجات الأسواق وطبيعة المنافسة ... الخ فإنه من الواجب عليها أن تعدل من تغير أساليبها التنظيمية والتى لا تتناسب مع الواقع الجديد.
مثلا قد يكون تطبيق سياسة المركزية مناسباً للظروف أو المواقف الذى يتسم بالثبات بينما اللامركزية تتناسب أكثر مع طبيعة الظروف البيئية التى تتصف بالديناميكية وعدم الثبات.
3/4 تغير العالم التنظيمي:
إن الكتابات والدراسات التى تناولناها- باختصار- حتى الآن توضح بجلاء أن هناك تغييراً ملموساً فى العالم التنظيمي. هذا الاتجاه قد تطور ونمى أكثر بواسطة بعض الكتاب من أهمهم بنيس Bennis والذى يعتبر واحداً من أعظم الكتاب فى الإدارة والتنظيم بالولايات المتحدة الأمريكية.
أوضح بنيس أن البيئة فى كثير من التنظيمات أصحبت متغيرة وديناميكية نتيجة لتغير التكنولوجيا واختلاف الموقف والظروف الاجتماعية... الخ. وبالتالى فإن البيروقراطية أو النظرة الميكانيكية للتنظيم يجب أن تتجه إلى شكل أكثر مرونة أو حيوية. كما أن الأفراد نتيجة للتغير والتطور فى العوامل الثقافية والاجتماعية أصبحوا لا يرغبون فى قضاء الجزء الأكبر من حياتهم فى تنظيمات بيروقراطية والتى تضعهم تحت ضغط ووطأة الأوامر والقيود- على النحو السابق شرحه للبيروقراطية. وقد أكد وجهة النظر هذه كتاب أخرون أمثال توفلر Toffler الذى وجد أن كثير من التنظيمات تلجأ إلى حل مشاكلها عن طريق ما يسمى Project Basis أى التنظيم على أساس المشروع (تكوين مجموعة من الخبراء لتقديم الحلول الحيوية Organic Solutions) أو على أساس تنظيم جديد أطلق عليه اصطلاح المصفوفة Matrix. هذا الشكل التنظيمي يعتبر تطبيقا للإدارة على أساس المشروعات داخل إطار التنظيم الهرمى الميكانيكي. هذا النوع من الهياكل التنظيمية المرنة يسمح بالاستجابة السريعة والتكيف مع الظروف البيئية المتغيرة والغير مؤكدة. كما يؤدى إلى زيادةى درجة رضاء الأفراد عن العمل لأنهم يتحملون مسئوليات أكبر فى اتخاذ القرارات. غير أن الميل إلى هذه الأشكال التنظيميةى المرنة يحمل بعض المخاطر. التطبيق العملى يوضح أن:
(1) أن التنظيم الميكانيكي أفضل فى حالة الظروف البيئية التى تتصف بالثبات.
(2) أن الحرية التى يوفرها التنظيم الحيوى لأعضاء التنظيمن لا تتناسب مع كل الأعضاء.
(3) ارتفاع تكلفة تطبيق هذه الأشكال المرنة. فمثلا يحتاج تنظيم المصفوفات إلى وقت كبير ومكثف لاجتماع الأفراد لحل المشاكل الأمر الذى يمثل تكلفة قد يكون فى غير مقدرة التنظيم تحملها.
(4) كما أن التطبيق العملى للمدخل الموقفي أوضح استمرارية تطبيق التنظيم البيروقراطي فى بعض المواقف ونجاح هذا التطبيق.

هناك تعليقان (٢):

  1. جزاك الله كل خير ونفعك الله بهذا العلم وأنفع بك كل البشر آمين

    ردحذف
  2. بوركتم على المعلومات القيمة و لكن هناك بعض الأشكال لاتظهر

    ردحذف